ما أروع أشكالها ، و أرق الوانها..! أراها تحلّق في سمائها ، وكأن الكون كله قد خًلق لأجلها!!لا تقع عيونها سوي علي اللون السماوي الصافي،و الأشجار الخضراء ،و الورود الزاهية بشتي الألوان التي تبعث الهناء..! انها طيور السماء ..تتمتع باهتمام الخالق القدير ، و تستمتع بالحياه التي منحها إياها ربها العظيم،فلا تجدها تقلق ، أو تهتم.. مع إنها ضعيفة ، و لا تملك سوي أعشاشا صغيرة ،يمكنك أن توقعها بكل سهولة..!
و رغم ذلك لا تراها تقلق علي أعشاشها من الريح ،أو علي نفسها ،أو حتي صغارها و لا تملك سوي اجنحة صغيرة تطير بها ..ليس لديها ما تدافع به عن نفسها لأنها كائنات ضعيفة ، و بالتالي فهي أكثر تعرضا لخطر الطيور الأقوي منها الكاسرة ..! و المدهش انها لا تخشي الطيران و كأن السماء لها وحدها .. من أين لها هذا السلام العجيب ؟! الاجابة نجدها في انجيل (متي26:6 ) " انظروا إلي طيور السماء :إنها لا تزرع و لا تحصد و لا تجمع إلي مخازن، و أبوكم السماوي يقوتها . ألستم أنتم بالحري أفضل منها ؟"
و هنا دعونا نتأمل ثلاث كلمات و هي : " أبوكم السماوي يقوتها" الله هو أبونا و نحن أبناؤه . و لأنه الخالق فهو يهتم بكل خليقته ..و يهتم بالطيور و يرتب لها قوتها مما يجعلها لا تهتم بالغد و لا تجمع إلي مخازن .. لقد اهتم الله بالطيور فكم و كم يكون اهتمامه بأبنائه الذين أحيهم و بذل ابنه الوحيد لأجلهم .. لقد أخجلتنا الطيور الضعيفة التي ليس لها عقلا يفكر مثلنا .. لقد اخجلتنا الطيور التي أخضعها الرب لنا و أعطانا سلطانا عليها .. فهل أعطيتنا يا رب عقلا لنفكر به في أنفسنا فندفن رؤوسنا في داخل أوانينا الذاتية فنرتبك و نقلق و نهتم للغد ؟! أم أعطيتنا عقلا لنفكر به في مجدك ونسعي لأجل معرفتك و إدراك حبك .. فينطلق القلب معه ليسبحك ؟!
علينا الإتضاع أمام النور الإلهي و نعترف بأننا كثيرا ما انشغلنا بأمورنا الخاصة ، علي حساب أمور الرب العظيمة .. كثيرا ما جرينا وراء أهداف باطلة فحصدنا منها تعبا و هوانا ..كثيرا ما استخدنا افكارنا في الترتيب لأنفسنا مدفوعين بثورة القلق من الداخل ، فنرتب و نبذل جهدنا لأنفسنا ، و تعلو أولوياتنا علي أولويات الله .. و الطيور تشاهدنا من السماء و تتعجب من أفعالنا ..!! فهي تطير في السماء لتغرد و تفرح بالكون و خالقه . أما نحن فنقلق ، بل نحزن و نغتم ..! هي تسبح الله القدير و تشدو و تحكي عن قدرته في الخلق و الإبداع .. أما نحن فنلتف حول ذواتنا.
و الآن .. بعدما اعطينا كل الاهتمام بالغد ، و نسينا مكان الرب في حياتنا ، ماذا جنينا؟ اسمع قول الرب في (مت27:6)" ومن منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد علي قامته ذراعا واحدة؟ " (أي يطيل عمره ساعة واحدة) بحسب كتاب الحياة ، من منا مهما كانت قدرته و قوته و ذكاؤه ، يقدر أن يزيد ذراعا واحدة ؟!
يا اخوتي علينا أن ندرك أن الرب هو وحده كلي القدرة و لا نقدر أن نفعل شيئا بدونه ..! و إن حاولنا بدون الرب حتما سنفشل و لن نحصد شيئا ..
تذكر هذه الكلمات دائما " توكل علي الرب بكل قلبك و علي فهمك لا تعتمد" (أم 5:3) ليس الغاء لفمهك كما يظن البعض و لكنه اخضاع فهمك و فكرك بكل قلبك للرب غير معتمدا علي استنتاجتك البشرية لأنها قد تخيب .. الله عظيم و أفكاره من نحونا غير محدودة إنها ليست كأفكارنا المحدودة ..
علينا إذن بتسليم أمور الغد له .. فهو خير من يدبر لنا وقتها سنحظي بالسلام العجيب .. و ماذا لو سلمنا له ؟ مكتوب "سلمنا فصرنا نحمل"سيحملنا و ينتشلنا من دائرة الذات و القلق .. و يجب أن يكون التسليم للرب كاملا ..فاذا سلمت كل أمورك فذلك سيطرد كل قلق من قلبك ليحل بروحه و يغمرك بسلامه الذي يفوق كل عقل و ايضا بالأفراح و كل ثمار و بركات الروح الغنية ..
انظروا إلي طيور السماء .. إنها تغرد في الفضاء فرحة ليس طلبا في قوت الغد لأن ابانا السماوي يقوتها .. فليس عندها الاهتمام بالغد بل تسعي للانطلاق و الاستمتاع بحياتها في الطيران و الحرية .. ليتنا ندرك حياة الحرية مع الرب و التلذذ بمعرفته و طلب ملكوته و بره أهم كثيرا من الاهتمام بالطعام و الشراب و الملبس و المال .. فلا يجب أن نضيع أعظم اللحظات التي نشعر فيها بحضور الرب الحبيب و نشكو له الغد و نطلب طلبات مثل الأمم البعيدين عنه ..
دعونا نطمئن في كلمته لنا : " لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلي هذه كلها و لكن اطلبوا أولا ملكوت الله و بره و هذه كلها تزاد لكم فلا تهتموا للغد لأن الغد يهتم بما لنفسه يكفي اليوم شره " (مت 32:6-34)