لا يعلم إلي أين يذهب ..!!!
1- هكذا سار أبونا إبراهيم وراء الله، إلى المجهول.. لم يكن يعلم إلى أين الطريق، إنما كان واثقاً أن الله يصحبه في الطريق، ويرشد خطاه..
2- وهكذا حدث مع تلاميذ الرب ، لما دعاهم الرب فتبعوه.
وهم لا يعلمون إلى أين.. إذ لم يكن للمسيح مقر معروف، بل لم يكن له أين يسند رأسه ( لو9:58). كان يطوف المدن والقرى يعلم ويشفى، مع أنه لم تكن له وظيفة رسمية فى المجتمع اليهودى.. ولم يكن له دخل مالى معروف. وحتى لما دعا تلاميذه، قال لهم "لا تحملوا ذهباً ولا فضة ولا نحاس في مناطقكم.. ولا تحملوا معكم شيئاً للطريق" (متى 10:9، مر 6: 8.
ولو سألت أحد تلاميذه وقتذاك: ما هو عملك؟ وما هو مستقبلك مع المسيح؟ لوقف وأوقفك معه، أمام علامة استفهام كبيرة لا يعرف لها جواباً، سوى حياة التسليم.. يكفيه أنه سائر مع المسيح، مع أنه معه وفي وجوده لا يعمل شيئاً.. المسيح يعمل كل شيء، وتلاميذه مجرد متفرجين.
3– يوحنا المعمدان كان يرى أن واجبه هو أن يشهد للحق. فشهد للحق وقال لهيرودس الملك "لا يحل لك" ولم يهتم بعد ذلك إلى أين يذهب: إلى السجن، إلى الموت.. ليكن ما يكون. رسالة الله تتم في طاعة إيمانية كاملة. أما الحياة، وأما المصير، فهما مسلمان الله.. إلى التمام. وهكذا كان بولس الرسول يشهد للرب.. وبعد ذلك لا يهمه إلى أين يذهب: "أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عرى أم خطر أم سيف"، يقول في ثقة بحياة التسليم "لكنن في هذه جميعها، يعظم انتصارنا بالذى أحبنا" (رو8: 35،37). بهذا الأسلوب، سار أولاد الله جميعهم في طريق الحياة في حياة التسليم.
كل ما يهمهم هو أن الله يقودهم. ولكن لا يعنيهم إلى أين.. ولكنهم واثقون بالإيمان، أنه سيقودهم إلى المراعى الخضراء، وإلى ينابيع الماء الحى. خبرتهم مع الله تجعلهم مسرورين بقيادته، واثقين بمحبته.
4 – إسحق بن ابراهيم حمل الحطب وراء أبيه، ولم يعلم إلى أين يذهب.
كل ما تعلمه في حياته، هو التسليم والطاعة، وبهما سار حتى إلى المذبح. وربطه إبراهيم أبوه ووضعه على المذبح فوق الحطب (تك22)، ورفع عليه السكين. كل هذا وإسحق في تسليم كامل. لم يشك في محبة الله.. وانتصر على طول الخط. بتسليمه هذا، كسب طاعة الإيمان، وكسب حياته، وكسب وعود الله..
5– لعازر الدمشقى لما سافر ليختار زوجة لإسحق، ما كان يعلم إلى أين يذهب.
ولكنه سلم خطاه لله ليرشده. ودبر الله له كل شيء بطريقة عجيبة وقف أمامها مذهولاً. وتم كل شيء حسبما طلب منه سيده ابراهيم. ولهذا قال "الرب أنجح طريقى" (تك 24: 56). ولعل لعازر الدمشقى كان يقول "لم أكن أعلم إلى أين أنا أذهب. لكنى كنت أعلم تماماً أن الله ذاهب معى". ونفس الوضع تقريباً حدث ليعقوب فى رحلته إلى خاله لا بان. وما أجمل قول الرب له "هاأنا معك. أحفظك حيثما تذهب" (تك28:15).
6 – الشعب في البرية، أتراه كان يعلم إلى أين يذهب؟!
ما كان يعلم شيئاً. كان الله يقوده يوماً بيوم. وكان يرتحل بإرشاد إلهى، ويقف بإرشاد إلهى، ويقف بإرشاد إلهى. وكان هذا الإرشاد يتمثل في السحابة تظلله نهاراً، وعمود النار يهديه ليلاً.. والشعب في تسليم كامل لقيادة الله، لا يسأله إلى أين..؟ وما كانت أمام موسى النبى خطة المسيرة، وكأنه يقول: يكفينا يا رب أن تكون سحابتك فوق رؤوسنا، وعمود النار أمامنا. نحن لا نحدد مسارنا، إنما تحدده مشيئتك الصالحة. أما نحن فيسعدنا أننا تحت قيادتك. حيثما سارت سحابتك نسير . وحيثما حلت نستظل تحتها.. يفرحنا أننا نرى فوق تابوت العهد الضباب الذي يمثل وجودك. فلتتحرك خيمة الإجتماع في البرية نحو المجهول. إنه مجهول بالنسبة إلينا. ولكنه فى علمك ومعرفتك منذ الأزل. وهذا يكفينا، لكي نسلم خطانا لهذا المجهول، ونحن فى ملء الثقة بأننا في طريق كنعان.