9-المياه العميقة ....الالم !!!!!!! دكتورة سيلفى عزت

الألم .. ككلمة , ترفض ألسنتنا نطقها .. و ترفض عقولنا ربط حروفها .. نهرب من ذكرها اّملين بهذا أن نهرب من اختبارها ... كثيرا ما كنت أقول ..."هاأيام السعادة تنقضى سريعا و يبدأ زمانا من الألم و القسوة .. لا أعلم أهذه سُنة الحياة .. أم أنه هناك خطأ ما ....؟؟!!" ... ظلت هذه الفكرة تشغلعقلى أياما طويلة .. اننا بطبيعتنا البشرية لا نقبل بل و لا نريد الألم ..و نكون على استعداد للتضحية من أجل عدم الغوض فى ألم .. التنازل من أجل تجنب الألم .. الأستسلام من أجل اللاألم ... و ان تأملنا قليلا , لوجدنا أن
التضحية و التنازل .. أن هذا الاستسلام .. هو فى حد ذاته ... ألم ....!!!!

يوما ما ... وبعد جرعة من هذا المسمى ألما ... جلست أتأمل الحياة بكل ما يحدث فى أيامها .. وجدت أن الانسان الذى لا يريد ألما هو فى ألم .. بل اكتشفت أن الطريق الصحيح والبوابة الوحيدة الى اللاألم هو .. الألم ...!!!
فى الطب .. المريض كى يُشفى عليه أن يتألم .. فلكى تُوقف نزيف تفجّر داخل أحشاءه .. تفجّر من شدة الالم .. تُدخل هذه الانبوبة القاسية من مكان لم يُصنع لدخولها بل صُمم ليمنع دخول أمثالها .... وهذا المريض الذى لم تستطع كليتاه الصمود امام شدة الالم .. فضلت الراحة على حساب من سبب لها هذا
الالم ... ولكى ينتصر المريض فى صراعه مع الموت .. لتظل له الحياة .. عليه ان يتألم كل جلسة يغسل فيها دمه بدلا من كليتاه .. هذا بعيد عن هذه الوسيلة اللعينة التى تُسمى " ماروكة " التى يتم من خلالها الغسيل .. لك أن تتخيل أنك تذبح انسانا وذلك دون أن تعطيه حتى .. مخدر ....!!! ان رأيت أن كل هذا
شيئا معقدا .. فاسمح لى أن اخبرك بأن أبسط وسيلة للشفاء وهى هذه الابرة الصغيرة التى حين تدخل يسمونها " شكة دبوس " فهى أيضا تسبب ألما....و ان رفض المريض هذه الاساليب فهو بهذا... يرفض .. الحياة...!!!!!!

بعيدا عن الطب والمرض ... اجعلنى اتجه الى لب الحياة ... الله ... ان تأملنا تعاملاته مع بنى البشر لوجدنا أن الألم هو عنصر أساسى متضمن فى كل تعاملات الله .. فاذا اراد أن يؤدب ابنا له يُدخله فى ألم... واذا اراد ان يُرجع من ضل طريقه يُدخله فى ألم ...و اذا اراد أن يعلّم درسا يُدخل فى ألم
.. الألم بالنسبة له نرى أنه ... الحياة ...!!!!من كل هذا ..نرى أن الحياة وُجدت لنتألم فيها ... و لكننا فى ذات الوقت ندرك جيدا أن الله لم يوجدنا فى الحياة لنتألم.. بل هو سمح لنا بأن نستمتع ونتذوق لذة الحياة .. ولكننا .. نحن من نريد أن نتألم .. نحن من نتصيد الاوقات لنطلق
عليها " زمان الألم ".. غير ناظرين لما بعد الألم .... لو كان ايماننا أن الله صالح .. فلابد لنا أن ندرك أن كل مايُحدثه فى حياتنا صالح .. ولو كانت ثقتنا أن كل الاشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله .. فلابد لنا أن نيقن أن ما بعد الألم هو خير لحياتنا .. الألم هو وسيلة الخير ....

قديما ...علم يوسف أن اخوته قصدوا به شرا.. ولكنه أيضا ادرك أن الله قصد بهذا الألم خيرا ... وهنا تكمن مشكلتنا .. لأننا نظل مثبتين نظرنا على الالم ... لا نحاول ان نفهمه وندرك القصد منه فنستطيع أن نقبله ... علينا ليس أن نرفض الالم بل أن نُعيد رؤيته .. نلتمس معونة لتقبله ... مدركين أن
هناك خطة بعده .. بل .. حياة .....!!
حينما تجد نفسك , فى مرة قادمة ,فى المياه العميقة .. اذكر أن يسوع يعرف ما انت فيه من صراع ويهتم
بك .. اعلم أنه ليست الظروف هى الفيصل بل هناك من يتحكم فى هذه الظروف .. ليست الصعاب هى المرشد بل هناك من يهون هذه الصعاب .. ليست الالام هى المصّير بل هناك من يستخدمها ليأتى بك الى حيث اراد هو من قبل أن توجد انت فى هذه الحياة .....!!!!!!
هل لنا هذه الثقة .. أننا فى يده فلن نُتلف أو نُفقد .. وان أصابتنا الهموم وتملكّنا اليأس و اصبحت الحياة
فى نظرنا بلا هدف .. يكفى أننا عنده نعنى الكثير .. وفيه .... لنا الحياة